ما هو التحكيم الدولي ؟
التحكيم هو وسيلة قانونية لتسوية المنازعات المحلية والدولية وقد وقع تنظيمه في ليبيا بموجب قانون المرافعات المدنية والتجارية ضمن الباب الرابع المتعلق بالتحكيم، إضافة للتشريعات الخاصة بالتحكيم في معظم دول العالم والاتفاقيات الدولية التي تنظم الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها .
ومثال ذلك اتفاقية نيويورك لسنة 1958 الخاصة بأحكام المحكمين وتنفيذها التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجاري الدولي والمنعقد في نيويورك في الفترة من 20 مايو إلي 10 يونيو سنة 1958، وقد سعت هيئة الأمم المتحدة إلى توحيد القواعد المنظمة للتحكيم حيث أقرت القانون التجاري الدولي (الأونسيترال)، وقد أوصت الجمعية العامة جميع الدول لتبنيه .
وفي ظل هذا الاهتمام الدولي الواسع بالتحكيم، ظهرت عدد كبير من مراكز التحكيم الدولية والإقليمية، ويعتبر التحكيم البديل الأنسب للقضاء الرسمي، أي انه ينهي الخصومة بحكم تحكيمى حاسم غير قابل للطعن بأي طريقة، ويعتبر التحكيم وسيلة قانونية تقوم على وجود اتفاقية خاصة لفض المنازعات التي تنشب بين الأطراف المتعاقدة في المواد المدنية والتجارية، ولا يمكن اللجوء للتحكيم إلا بتوفر الإرادة الحرة السليمة للأطراف والتي عبروا عنها صراحة وضمنوها كتابة في اتفاق الـتحكيم، لإنهاء نزاعهم بعيدا عن القضاء العادي، ووفق أحكام خاصة .
يمكن أن يكون التحكيم ضمنيا، من خلال قبول الأطراف الالتزام بشروط العقد النموذجي المتضمن لشرط التحكيم، كما يمكن أن يكون صريحا جازما من خلال الاتفاق على اللجوء للتحكيم منذ بداية التعاقد بموجب شرط تحكيمي، لحسم كافة المنازعات التي قد تنشأ عند تنفيذ العقد أو تفسيره أو أي نزاع أخر مرتبط بالعقد. وقد يكون الاتفاق على اللجوء للتحكيم بعد حدوث النزاع بالفعل فيتم الاتفاق حينئذ على إنهاء هذه المنازعة بواسطة التحكيم اختصارا للوقت ومنعا للمشاحنات وتوفيرا للجهد والوقت والمال من خلال الاقتصاد في النفقات الخ ، وهو ما يسمى حينئذ بــ مشارطة التحكيم.
ويعتبر العصر الحالي عصر نهضة وازدهار التحكيم، حيث انتشرت مراكز التحكيم في جميع دول العالم لتقوم بدورها الفعال في تسوية المنازعات سواء بين رعايا الدولة الواحدة أو على مستوي المعاملات التجارة الدولية ويقوم نظام التحكيم على فلسفة وفكرة محددة وواضحة وهي رضاء الخصوم واتفاقهم على تفويض فرد أو أفراد معينين في تسوية نزاع نشأ بينهم سواء من علاقة تعاقدية أو غير تعاقدية، من خلال حكم ملزم وقابل للتنفيذ الجبري بواسطة رجال السلطة العامة في الدولة. ويفترض نظام التحكيم اتفاق الأفراد على انتزاع الاختصاص من محاكم الدولة وعدم عرض النزاع عليها وذلك بموجب اتفاق مشترك بينهم، وطالما تم الاتفاق علي اللجوء إلى التحكيم لا يجوز لأحد أطراف النزاع أن يبادر ويقوم بعرض النزاع علي محاكم الدولة، باعتبار أن ذلك مخالفة لم تم الاتفاق عليه بين الطرفين من حيث عرض النزاع على التحكيم حيث أن الأصل هو “أن العقد شريعة المتعاقدين”.
كما يفترض التحكيم أن يكون للأفراد الثقة والعلم بشخصية المحكم أو المحكمين الذين يتم اختيارهم للفصل في النزاع، فشخصية المحكم لا تفرض على الخصوم وإنماً يتم هذا الاختيار بمبادرة إيجابية من الخصوم وبناءً على ثقة شخصية في المحكم، ولذلك فالذي يحدث غالباً في الواقع العملي أن يتم تشكيل هيئة التحكيم من عدد فردي سواء فرد أو ثلاثة مثلاً، فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكماً ثم يتفق المحكمان علي اختيار المحكم الثالث هو ما يسمى بالمحكم المرجح.
إن التحكيم نظام اتفاقي، يترك المشرع، بمقتضاه، للأفراد إمكانية تسوية المنازعات التي تقوم بينهم في إطار من التراضي والتفاهم المشترك، بعيداً عن ساحات المحاكم ورجال السلطة العامة حيث يتم الحصول علي العدالة في بيئة وجو من السكينة والاقتناع المشترك بين الطرفين، ولذلك يصدق القول بأن التحكيم عدالة خاصة تحتاج إلى خبرة وثقافة قانونية قبل المتطلبات المادية، ومن ثم فإنه ليس من المغالاة القول بأن التحكيم عدالة الأثرياء.
ويتعين القول بأن خصومة التحكيم قد تقابلها بعض العقبات والتي ترجع إلى سوء نية الأفراد، والتي تظهر بعد حدوث النزاع، أو عدم الخبرة لدى الأطراف في تنظيم بعض المسائل الجوهرية، ومن هنا يلاحظ أن المشرع يضع الكثير من الحلول الاحتياطية لمواجهة هذه الاحتمالات منذ بدء سير خصومة التحكيم وحتى انتهائهاً، كما يخول المشرع للقضاء دوراً فعالاً في مساعدة هيئة التحكيم للتغلب على المشكلات التي قد تواجهه والراجعة إلى افتقادها السلطة القانونية والتي تملكها محاكم الدولة مثل إجراءات الجبر والقسر كتوقيع حجز تحفظي أو حجز تنفيذي، كما يمارس القضاء رقابة على حكم التحكيم بهدف ضمان مراعاة متطلبات العدالة الجوهرية المتعلقة بالنظام العام وعليه يمكن القول أن عدالة التحكيم تعمل في أحضان العدالة القضائية للدولة وأن العلاقة بينهما – أي القضاء والتحكيم – تقوم علي التعاون والمساندة في تحقيق الهدف العام وهو يساهم في استقرار المراكز القانونية وتحقيق أمن المجتمع.